الأحد، 28 ديسمبر 2014

لغتنا الجميلة ج5







ثالثاً: معرفة اللغة العربية؛ نحوها وصرفها ومعانيها وأساليبها:
من شروط المفتي:
************

قال الإمام الشافعي رحمه الله:
لا يحل لأحد أن يفتي في دين الله إلا رجلاً عارفا بكتاب الله
بناسخه ومنسوخه، وبمحكمه ومتشابهه، وتأويله وتنزيله، ومكيه
ومدنيه وما أريد به وفيما أنزل،
ثم يكون بعد ذلك بصيراً بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم
بالناسخ والمنسوخ، ويعرف من الحديث ما عرف من القرآن،
ويكون بصيراً باللغة، بصيراً بالشعر وبما يحتاج إليه للعلم والقرآن.. اهـ
[الفقيه والمتفقه 2/ 157]



وقال الإمام أبو محمد ابن حزم رحمه الله:
وفرض على من قصد التفقّه في الدين كما ذكرنا أن يستعين على
ذلك من سائر العلوم بما تقتضيه حاجته إليه في فهم كلام ربه
تعالى، وكلام نبيه صلى الله عليه وسلم.
قال تعالى: (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم)
ففرض على الفقيه أن يكون عالما بلسان العرب ليفهم عن الله
عز وجل، وعن النبي صلى الله عليه وسلم،
ويكون عالما بالنحو الذي هو ترتيب العرب لكلامهم الذي به نزل
القرآن، وبه يفهم معاني الكلام التي يُعبر عنها باختلاف الحركات
وبناء الألفاظ، فمن جهل اللغة وهى الألفاظ الواقعة على
المسميات، وجهل النحو الذي هو علم اختلاف الحركات الواقعة
لاختلاف المعاني, فلم يعرف اللسان الذي به خاطبنا الله تعالى
ونبينا عليه السلام، ومن لم يعرف ذلك اللسان لم يَحِلّ له الفتيا
فيه، لأنه يفتي بما لا يدري، وقد نهاه الله تعالى عن ذلك



بقوله تعالى: (ولا تقف ما ليس لك به علم).
وبقوله تعالى: (ومن الناس من يجادل في الله بغير علم).
وبقوله تعالى: (ها أنتــم هــؤلاء حاججتــم فيما لكم به عـــلم
فلم تحاجُّـــــون فيما ليس لكم به عـــلم).
وقال تعــالى: (وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم
وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم )..
[الإحكام لابن حزم 5/ 124- 126]



وقال الإمام أبو عمرو ابن الصلاح رحمه الله:
المفتي المستقل، وشرطه: أن يكون ... عارفاً من علم القرآن،
وعلم الحديث، وعلم الناسخ والمنسوخ، وعلمي النحو، واللغة..اهـ
[أدب المفتي ص 86-87]



وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
فإن الله تعالى لما أنزل كتابه باللسان العربي,
وجعل رسوله مبلغاً عنه للكتاب والحكمة بلسانه العربي,
وجعل السابقين إلى هذا الدين متكلمين به,
لم يكن سبيل إلى ضبط الدين ومعرفته إلا بضبط اللسان,
وصارت معرفته من الدين, وصار اعتبار التكلم به أسهل على
أهل الدين في معرفة دين الله, وأقرب إلى إقامة شعائر الدين,
وأقرب إلى مشابهتهم للسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار,
في جميع أمورهم, ...اهـ
[ الاقتضاء ص143 ]




وجاء في تفسير ابن كثير عند قوله تعالى:
(هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها
فلما تغشاها حملت حملا خفيفا فمرت به فلما أثقلت دعوا الله
ربهما لئن آتيتنا صالحا لنكونن من الشاكرين)..
قال أيوب : سألت الحسن عن قوله (فمرت به)
قال: لو كنت رجلا عربيا لعرفت ما هي,
إنما هي فاستمرت به.اهـ



وقال شرف الدين يحيى العمريطي:
وكان مطلوباً أشدَّ الطلبِ *** من الورى حفظُ اللسانِ العربي
كي يفهمـوا معاني القرآنِ *** والسنةِ الـدقيقــةِ المعاني

فكلما ازداد المفتي تبحراً في اللغة ازداد فهماً لنصوص الوحيين,
وكلام السلف الصالحين..

قال الإمام الشافعي رحمه الله:
وما ازداد - أي المتفقه- من العلم باللسان الذي جعله الله
لسان من ختم به نبوته وأنزل به آخر كتبه كان خيراًله.اهـ



قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
واعلم أن اعتياد اللغة يؤثر في العقل والخلق والدين تأثيراً قوياً
بيناً, ويؤثر أيضاً في مشابهة صدر هذه الأمة من الصحابة
والتابعين, ومشابهتهم تزيد العقل والدين والخلق.
وأيضاً فإن نفس اللغة العربية من الدين, ومعرفتها فرض واجب,
فإن فهم الكتاب والسنة فرض, ولا يفهم إلا بفهم اللغة العربية,
وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

عن عمر بن يزيد قال:
كتب عمر إلى أبي موسى رضي الله عنه:
(أما بعد, فتفقهوا في السنة, وتفقهوا في العربية
وأعربوا القرآن فإنه عربي).

وفي حديث آخر عن عمر رضي الله عنه أنه قال:
(تعلموا العربية فإنها من دينكم,
وتعلموا الفرائض فإنها من دينكم),

وهذا الذي أمر به عمر رضي الله عنه من فقه العربية
وفقه الشريعة, يجمع ما يحتاج إليه,
لأن الدين فيه أقوال وأعمال,
ففقه العربية هو الطريق إلى فقه أقواله,
وفقه السنة هو فقه أعماله. اهـ
[الاقتضاء ص178-179]















نتابع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق